فصل: ولاية مهذب الدولة بن أبي الخير علي البطيحة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  استيلاء المظفر وخلع أبي المعالي

ثم إن المظفر بن علي الحاجب القائم بأمر أبي المعالي طمع في الإستقلال بأمر البطيحة فصنع كتاباً على لسان صمصام الدولة سلطان بغداد بولايته وجاء به ركابي عليه أثر السفر وهو بدست إمارته فقرأه بحضرتهم وتلقاه بالطاعة‏.‏وعزل أبا المعالي وأخرجه مع أمه إلى واسط وكان يصلهما بالنفقة‏.‏وأحسن السيرة بالناس وانقرض بيت عمران بن شاهين‏.‏ثم عهد إلى ابن أخته علي بن نصر ويكنى أبا الحسن وتلقب بالأمير المختار وبعده إلى ابن أخته الأخرى ويكنى أبا الحسن ويسمى علي بن جعفر‏.‏

  وفاة المظفر وولاية مهذب الدولة

ثم توفي الحاجب المظفر صاحب البطيحة سنة ست وسبعين لثلاث سنين من ولايته وولي بعده ابن أخيه أبو الحسن علي بن نصر بعهده إليه كما مر‏.‏وكتب إلى شرف الدولة سلطان بغداد بالطاعة فقلده ولقبه مهذب الدولة فأحسن السيرة وبذل المعروف وأجار الخائف فقصده الناس وأصبحت البطيحة معقلاً‏.‏واتخذها الأكابر وطناً وبنوا فيها الدور والقصور‏.‏وكاتب ملوك الأطراف وصاهره بهاء الدولة بابنته وعظم شأنه واستجار به القادر عندما خاف من الطائع وهرب إليه فأجاره ولم يزل عنده بالبطيحة ثلاث سنين إلى أن استدعي منها بعث ابن واصل على البطيحه وعزل مهذب الدولة كان من خبر أبي العباس بن واصل هذا أنه كان ينوب عن رزبوك الحاجب وارتفع معه ثم ااستوحش منه ففارقه وصار إلى شهراز واتصل بخدمة فولاد وتقدم عنده‏.‏ثم قبض علي فولاد فعاد إلى الأهواز ثم أصعد إلى بغداد ثم خرج منها وخدم أبا محمد بن مكرم‏.‏ثم انتفل إلى خدمة مهذب الدولة بالبطيحة وتقدم عنده ولما استولي السركرستان على البصرة بعثه مهذب الدولة في العساكر لحربه فقتله وغلبه ومضى إلى شيراز فأخذ سفن محمد بن مكرم وأمواله ورجع إلى أسافل دجلة فتغلب عليها وخلع طاعة مهذب الدولة فأرسل إليه مائة سميرية مشحونة بالمقاتلة فغرق بعضها وأخذ ابن واصل الباقي وعاد إلى الأيله فبعث إليه أبا سعيد بن ماكولا فهزمه ثانية واستولي على ما معه وأصعد إلى البطيحة وخرج مهذب الدولة إلى شجاع بن مروان وابنه صدقة فغدروا به وأخذوا أمواله ولحق بواسط‏.‏واستولي ابن واصل على البطيحة وعلى أموال مهذب الدولة وجمع ما كان لزوجه أبنة بهاء الدولة‏.‏وبعث إلى أبيها وكانت قد لحقت ببغداد‏.‏ثم اضطرب عليه أهل البطائح وبعث سبعمائة فارس إلى البلاد المجاورة فقاتلهم أهلها وظفروا بهم وخشي أبن واصل على نفسه فعاد إلى البصرة وترك البطائح فوضى ونزل البصرة في قوة واستفحال‏.‏وخشي أهل النواحي عاديته فسار بهاء الدولة من فارس إلى الأهواز ليتلافى أمره واستدعى عميد الجيوش من بغداد وسيره في العسكر إليه فجاء إلى واسط واستكثر من السفن وسار إلى البطائح‏.‏وسار إليه ابن واصل من البصرة فهزمه وغنم ثقله وخيامه ورجع ابن واصل مفلولاً‏.‏عود مهذب الدولة إلي البطيحة‏:‏ ولما أنهزم عميد الجيوش أقام بواسط فجمع عساكر لمعاودة ابن واصل‏.‏ثم بلغه أن نائب بن واسط بالبطائح قد خرج مجفلاً فبعث إلى بغداد وبعث بالعساكر وهم بالإنتقاض فاستدعى عميد الجيوش مهذب الدولة من بغداد وبعثه بالعساكر في السفن إلى البطيحة سنة خمس وستين فاستولي عليها واجتمع عليه أهل الولايات وأطاعوه وقرر عليها بهاء الدولة خمسين ألف دينار في كل سنة‏.‏وشغل عن ابن واصل بتجهيز العساكر إلى خوزستان وطمع في الملك واجتمع عنده كثير من الديلم وأصناف الأجناد‏.‏وسار إلى الأهواز وسير بها الدولة عسكراً للقائه فهزموهم ودخله دار الملك وأخذ ما كان فيها‏.‏وبعث إلى بهاء الدولة في الصلح فصالحه وزاد في إقطاعه‏.‏ثم بعث بهاء الدولة العسكر للقائه وسار إلى الأهواز وزحف إليها ابن واصل ومعه بدر بن حسنويه فبعث بهاء الدولة الوزير بالبطيحة فهزمه الوزير ثانية فمضى مع حسان بن محال الخفاجي الكوفي وملك إلى الكوفة وملك البصرة وسار ابن واصل إلى دجلة قاصداً بدر بن حسنويه فبلغ جامعين فأنزله أصحاب بدر وكان أصحاب أبي الفتح بن عنان قريباً منه فكبسه وجاء به إلى بغداد فبعثه عميد الجيوش إلى بهاء الدولة فقتله سنة ست وتسعين كما مر في أخبار الدولة‏.‏

  وفاة مهذب الدولة وولاية ابن أخته عبد الله بن نسي

ثم توفي مهذب الدولة عبد الله بن علي بن نصر في جمادى سنة ثمان وأربعمائة وكان ابن أخته أبو عبد الله محمد بن نسى قائماً بأموره ومرشحاً للولاية مكانه‏.‏وقد اجتمع عليه الجند واستحلفهم لنفسه وبلغه قبل وفاة خاله أن ابنه أبا الحسن أحمد داخل بعض الجند في البيعة له بعد أبيه فاستدعاه وحمله إليه الجند فقبض عليه‏.‏ودخلت إليه أمه فخبرته الخبر فلم يزد على الأسف له‏.‏وتوفي مهذب الدولة من الغد وولي أبو محمد بن نسى مكانه وقتل أبو الحسين ابن خاله لثلاث من وفاة أبيه‏.‏

  وفاة ابن نسي وولاية السراني

ثم توفي أبو عبد الله محمد بن نسى لثلاثة أشهر من ولايته واتفق الجند على ولاية أبي محمد الحسين من بكر السراني من خواص مهذب الدولة فولوه عليهم وبذل لسلطان الدولة ملك بغداد مالاً فأقره على ولايته ، ^? وأقام أبو محمد السراني على البطيحة إلى سنة عشر وأربعمائة وبعث سلطان الدولة صدقة بن فارس المازياري فنكبه وملك البطيحة وبقي عنده أسيراً إلى أن توفي صدقة وخلص على ما يذكر‏.‏

  وفاة صدقة وولاية سابور بن المرزبان

ثم توفي صدقة بن فارس المازياري في محرم لإثنتي عشرة سنة من ولايته وكان سابور بن المرزبان بن مردان قائد جيشه‏.‏وكان أبو الهيجاء محمد بن عمران بن شاهين قد تنقل بعد موت أبيه في البلاد بمصر وعند بدر بن حسنويه حتى استقر عند الوزير أبي غالب ونفق عنده بما كان لديه من الأدب‏.‏عزل سابور وولاية أبي نصر ثم إن أبا نصر بن مردان زاد في المقاطعة ولم يبلغها سابور وتخلى عن الولاية وفارق البطيحة إلى جزيرة بني دبيس واستقر أبو نصر في ولايتها‏.‏ثم عادت إلى أبي عبد الله الحسين بن بكر السراني‏.‏عصيان أهل البطيحة علي أبي كاليجار وبعث أبو كاليجار سنة ثمان عشرة وزيره أبا محمد بن نابهشاد إلى البطيحة ومقدمها يومئذ أبو عبد الله الحسين ين بكر السراني قعسف بالناس في أموالهم وقسط عليهم مقادير تؤخذ منهم فانجلوا إلى البلاد وعزم الباقون على قتل السراني‏.‏ونما الخبر إلى السراني فجاء إليهم واعتذر إليهم وأوعدهم بالمساعدة‏.‏وأشار عليه الوزير بإصلاح السفن حتى زحزحها بحيث لا يتمكن منها‏.‏ثم وثبوا به فأخرجوه وكان عندهم جماعة من عسكر جلال الدولة محبوسين فأخرجوهم واستعانوا بهم وعادوا إلى الإمتناع الذي كانوا عليه أيام مهذب الدولة فتم لهم ذلك‏.‏ثم جاء أبن العبراني فغلب على البطيحة وأخرج منها السراني فلحق بيزيد بن مزيد وأقام بها ابن العبراني سنة ثلاث وثلاثين فزحف إليه أبو نصر بن الهيثم فغلبه عليها ونهبها واستقر في ملكها على ما يؤديه لجلال الدولة‏.‏

  استيلاء أبي كاليجار على البطيحة

ولما كانت سنة تسع وثلاثين بعث أبو كاليجار أبا الغنائم أبا السعادات الوزير في عساكر لحصار البطيحة فحاصرها وبها أبو منصور بن الهيثم حتى جنح إلى الصلح واستأمن نفر من أصحابه إلى أبي الغنائم وأخبروه بضعفه وعزمه على الهرب فحفظ عليه الطرق‏.‏ولما كان شهر صفر من السنة واقعهم أبو الغنائم فظفر بهم وقتل من أهل البطيحة خلقاً كثيراً وغرقت منهم سفن متعددة وتفرقوا في الآجام وركب ابن الهيثم السفن ناجياً بنفسه وأحرقت

  ولاية مهذب الدولة بن أبي الخير علي البطيحة

ثم كان بعد ذلك لبني أبي الخير ولاية على البطيحة فيما قبل المائة الخامسة و بعدها ولا أدرى ممن هؤلاء بنو أبي الخير إلا أن ابن الأثير قال‏:‏ كان إسماعيل ولقب المصطنع ومحمد ولقبه المختص هما ابنا أبي الخير ولهما رياسة قومهما‏.‏وهلك المختص وقام مكانه ابنه مهذب الدولة‏.‏ونازع ابن الهيثم صاحب البطيحة إلى أن غلبه مهذب الدولة أيام كوهرايين الشحنة ببغداد‏.‏وكان بنو عمه وعشيرته تحت حكمه‏.‏وأقطع السلطان محمد سنة خمس وتسعين وخمسمائة مدينة واسط لصدقة بن مزيد صاحب البطيحة والحلة فضمنها منه مهذب الدولة أحمد بن أبي الخير صاحب البطيحة وفرق أولاده في الأعمال وطالبه صدقة بالأموال وحبسه وضمن حماد ابن عمه واسط‏.‏وكان مهذب الدولة يصانع حماد ابن عمه إسماعيل ويداريه وحماد يطمح إلى رياسته فلما هلك كوهرايين نازع حماد مهذب الدولة ابن عمه واجتهد مهذب الدولة في إصلاحه فلم يقدر فجمع النفيس بن مهذب الدولة فهرب حماد إلى صدقة مستجيشاً به فعاد بالجيش وحاربه مهذب الدولة وزاده صدقة المدد فانهزم مهذب الدولة‏.‏وهلك أكثر عسكره وقوي طمع حماد‏.‏واستمد صدقة فأمده بالعساكر مع مقدم جيشه حميد بن سعيد‏.‏وبعث مهذب الدولة لصاحب الجيش بالإقامات والصلات فمال إليه وأصلح ما بينه وبين صدقة‏.‏وبعث مهذب الدولة ابنه النفيس إلى صدقة فأصلح بينهم وبين حماد ابن عمهم وكان ذلك أعوام الثلاثين‏.‏

  ولاية نصر بن النفيس والمظفر بن حماد من بعده علي البطيحة

ثم كان انتقاض دبيس بن صدقة أيام المسترشد والسلطان محمود وكان البرسقي شحنة ببغداد فانتزع السلطان البطيحة من يد دبيس وأقطعها إلى سحان الخادم مولاه فولي عليها نصر بن النفيس بن مهذب الدولة أحمد بن محمد بن أبي الخير‏.‏وأمر السلطان محمود البرسقي بالمسير لقتال دبيس فاحتشد وسار لذلك ومعه نصر بن النفيس صاحب البطيحة وابن عمه المظفر بن حماد بن إسماعيل بن أبي الخير وبينهما من العداوة المتوارثة ما كان بين سلفهما‏.‏والتقى البرسقي ودبس وهزمه دبيس وجاءت العساكر منهزمة‏.‏وبقي نصر بن النفيس وابن عمه حماد عند ساباط النهر فقتله ولحق بالبطيحة فملكها وبعث إلى دبيس بطاعته وبعث دبيس إلى الخليفة يصانعه بالطاعة على البعد‏.‏وبلغ الخبر إلى السلطان محمود فقبض على منصور بن صدقة أخي دبيس وولده فكحلهما فاستشاط دبيس وساء أثره في البلاد وبعث إلى أحيائه بواسط فمنعهم الأتراك الذين بها فبعث مهلهل بن أبي العسكر مقدم عساكره في جيش وكتب إلى المظفر بن حماد صاحب البطيحة بمعاضدته على قتال وسط فتجهز وأصعد وعاجل مهلهل الحرب قبل وصوله فهزمه أهل واسط وغنموا ما معه وكان في جملتها بخط دبيس وصار معهم وساءت آثار دبيس في البلاد ولم يزل حال البطيحة على ذلك‏.‏ثم صار أمرها لبني معروف وأجلاهم الخلفاء عنها‏.‏

  إجلاء بني معروف من البطيحة

كان بنو معروف هؤلاء أمراء بالبطيحة في آخر المائة السادسة ولا أدري ممن هم فلما استجمع للخلفاء أمرهم وخرجوا عن استبداد ملوك السلجوقية واقتطعوا الأعمال من أيديهم شيئاً فشيئاً فصار لهم الحلة والكوفة وواسط والبصرة وتكريت وهيت والأنبار والحديثة‏.‏وجاءت دولة الناصر وبنو معروف على البطيحة وكبيرهم معلي‏.‏قال ابن الأثير‏:‏ وهم قوم من ربيعة كانت غربي الفرات تحت سورا وما يتصل بها من البطائح وكثرت إذاياتهم وإفسادهم في النواحي‏.‏وبلغت الشكوى بهم إلى الديوان فأمر الخليفة الناصر مغذا الشريف متولي بلاد واسط أن يسير إلى قتالهم فاستعد لذلك وجمع من سائر تلك الأعمال فسار إليهم سنة ست عشرة بالعير من بلاد البطيحة وفشا القتل بينهم‏.‏ثم انهزم بنو معروف وتفرقوا بين القتل والأسر والغرق واستبيحت أموالهم وانتظمت البطيحة في أعمال الناصر ولم يبق بها ملك ولا دولة‏.‏

  دولة بني حسنويه

الخبر عن دولة بني حسنويه من الأكراد القائمين بالدعوة العباسية بالدينور والصامغان ومبدأ أمورهم وتصاريف أحوالهم كان حسنويه بن الحسين الكردي من طائفة الأكراد يعرفون بالريزنكاس وعشير منهم يسمون الدويلتية وكان مالكاً قلعة سرياج وأميراً على البررفكان‏.‏وورث الملك عن خاليه ونداد وغانم إبني أحمد بن علي وكان صنفهما من الأكراد يسمون العبابية وغلباً على أطراف الدينور وهمذان ونهاوند والصامغان وبعض نواحي أذربيجان إلى حدود شهرزور فملكاها نحواً من خمسين سنة ولكل واحد منهما ألوف من العساكر وتوفي وندور بن أحمد سنة تسع وأربعين وقام مقامه ابنه أبو الغنائم عبد الوهاب إلى أن أسره الشاذجان من طوائف الأكراد وسلموه إلى حسنويه فأخذ قلاعه وأملاكه‏.‏وتوفي غانم سنة خمسين وثلثمائة فقام ابنه أبو سالم دسيم مكانه بقلعة فتنان إلى أن أزاله أبو الفتح بن العميد واستصفى قلاعه المسماة بستان وغانم أفاق وغيرهما‏.‏وكان حسنويه حسن السيرة ضابطاً لأمره وبني قلعة سرماج بالصخور المهندسة وبني بالدينور جامعاً كذلك وكان كثير الصدقة للحرمين‏.‏ولما ملك بنو بويه البلاد واختص ركن الدولة بالري وما يليه كان شيعة ومدداً على عدوه فكان يرعى ذلك ويغضي عن أموره إلى أن وقعت بين ابن مسافر من قواد الديلم وكبارهم وقعة هزمه فيها حسنويه وتحصن بمكان فحاصره فيه وأضرمه عليه ناراً فكاد يهلك‏.‏ثم استأمن له فغدر به وامتعض لذلك ركن الدولة وأدركته نعرة العصبية وبعث وزيره أبا الفضل بن العميد في العساكر سنة تسع وخمسين فنزل همذان وضيق على حسنويه ثم مات أبو الفضل فصالحه ابنه أبو الفتح على مال ورجع عنه ، ^?

  وفاة حسنويه وولاية ابنه بدر

ثم توفي حسنويه سنة تسع وستين وافترق ولده على عضد الدولة لقتال أخويه محمد وفخر الدولة‏.‏وكانوا جماعة أبو العلاء وعبد الرزاق وأبو النجم بدر وعاصم وأبو عدنان وبختيار وعبد الملك‏.‏وكان بختيار بقلعة سرماج ومعه الأموال والذخائر فكاتب عضد الدولة ورغب في طاعته ثم رغب عنه فسير إليه عضد الدولة جيشاً وملك قلعته وغيرها من قلاعهم‏.‏ولما سار عضد الدولة لقتال أخيه فخر الدولة وملك همذان والري وأضافهما إلى أخيه مؤيد الدولة ولحق فخر الدولة بقابوس بن وشمكير عرج عضد الدولة إلى ولاية حسنويه الكرس فافتتح نهاوند والدينور وسرماج وأخذ ما فيها من ذخائره وكانت جليلة المقدار‏.‏وملك معها عمة من قلاع حسنويه ووفد عليه أولاد حسنويه فقبض على عبد الرزاق وأبي العلاء وأبي عدنان واصطنع من بينهم أبا النجم بمر بن حسنويه وخلع عليه وولاه على الأكراد وقواه بالرجال فضبط ملك النواحي وكف عادية الأكراد بها‏.‏واستقام أمره فحسد أخواه وأظهر عاصم وعبد الملك منهم العصيان وجمعا الأكراد المخالفين‏.‏وبعث عضد الدولة العساكر فأوقعوا بعاصم وهزموه وجاؤوا به أسيراً إلى همذان ولم يوقف له بعد ذلك على خبر وذلك سنة سبعين‏.‏وقتل جميع أولاد حسنويه وأقر بدراً على عمله‏.‏

  حروب بدر بن حسنويه وعساكر مشرف الدولة

ولما توفي عضد الدولة وملك ابنه صمصام الدولة ثار عليه أخوه مشرف الدولة بفارس ثم ملك بغداد وكان فخر الدولة بن ركن الدولة قد عاد من خراسان إلى مملكة أصفهان والري بعد وفاة أخيه مؤيد الدولة وأوقع بينه وبين مشرف الدولة فكان مشرف الدولة يحقد عليه‏.‏فلما استقر ببغداد وانتزعها من يد صمصام الدولة وكان قائده قراتكين الجهشاري مدلاً عليه متحكماً في دولته وكان ذلك يثقل على مشرف الدولة جهزه في العساكر لقتال بدر بن حسنويه يروم إحدى الراحتين فسار إلى بدر سنة سبع وسبعين ولقيه على وادي قرميسين‏.‏وانهزم بدر حتى توارى ولم يتلقوه ونزلوا في خيامه ثم كر بدر فأعجلهم عن الركوب وفتك فيهم واحتوى على ما معهم‏.‏ونجا قراتكين في فل إلى جسر النهروان فلحق به المنهزمون ودخل بغداد ، ^? واستولي بدر على أعمال الجبل وقويت شوكته واستفحل أمر‏.‏ولم يزل ظاهراً عزيزاً وقلد من ديوان الخلافة سنة ثمان وثمانين أيام السلطان بهاء الدولة ولقب ناصر الدولة‏.‏وكان كثير الصدقات بالحرمين وكثير الطعام للعرب بالحجاز لخفارة الحاج وكف أصحابه من الأكراد عن إفساد السابلة فعظم محله وصار ذكره‏.‏

  مسير ابن حسنويه لحصار بغداد مع أبي جعفر بن هرمز

كان أبو جعفر الحجاج بن هرمز نائباً بالعراق عن بهاء الدولة ثم عزل فدال منه بأبي علي بن أبي جعفر أستاذ هرمز وتلقب عميد الجيوش فأقام أبو جعفر بنواحي الكوفة وقاتل عميد الجيوش فهزمه العميد‏.‏ثم جرت بينهما حروب سنة ثلاث وستين وأقاما على الفتنة والإستنجاد بالعرب من بني عقيل وخفاجة وبني أسد وبهاء الدولة مشتغل بحرب ابن واصل في البصرة‏.‏واتصل ذلك إلى سنة سبع وتسعين‏.‏وكان ابن واصل قد قصد صاحب طريق خراسان وهو قلج ونزل عليه واجتمعا على فتنة عميد الجيوش‏.‏وتوفي هذه السنة فولي عميد الجيوش مكانه أبا الفتح محمد بن قلج عنان عدو بدر بن حسنويه‏.‏وفحل الأكراد المسامي لبحر في الشؤون وهو من الشادنجان من طوائف الأكراد وكانت حلوان له فغضب لذلك بمر ومال إلى أبي جعفر وجمع له الجموع من الأكراد مثل الأمير هندي بن سعدي وأبي عيسى سادي بن محمد ورام بن محمد وغيرهم‏.‏واجتمع له معهم علي بن مزيد الأسدي‏.‏وزحفوا جميعاً إلى بغداد ونزلوا على فرسخ منها‏.‏ولحق أبو الفتح بن عنان بعميد الجيوش وأقام معه ببغداد حامياً ومدافعاً إلى أن وصل الخبر بهزيمة ابن واصل وظهور بهاء الدولة عليه فأجفلوا عن بغداد وسار أبو جعفر إلى حلوان ومعه أبو عيسى وراسل بهاء الدولة‏.‏ثم سار ابن حسنويه إلى ولاية رافع بن معن من بني عقيل يجتمع مع بني المسيب في المقلد وعاث فيها لأنه كان آوى أبا الفتح بن عنان حين أخرجه بدر من حلوان وقرميسين واستولي عليها فأرسل بدر جيشاً إلى أعمال رافع بالجناب ونهبوها وأحرقوها‏.‏وسار أبو الفتح بن عنان إلى عميد الجيوش ببغداد فوعده النصر حتى إذا فرغ بهاء الدولة من شأن ابن واصل وقتله أمر عميد الجيوش بالمسير إلى بدر بن حسنويه لإعانته على بغداد وإمداده ابن واصل فسار لذلك ونزل جنديسابور وبعث إليه بدر في الصلح على أن يعطيه ما أنفق على العساكر فحمل إليه ورجع عنه‏.‏انتقاض هلال بن بدر بن حسنويه على أبيه وحروبهما كانت أم هلال هذا من الشادنجان رهط أبي الفتح بن عنان وأبي الشوك بن ملهل واعتزلها أبوه لأول ولادته فنشأ مبعداً عن أبيه واصطفى بدر ابنه الآخر أبا عيسى وأقطع هلالاً الصامغان فأساء مجاورة ابن المضاضي صاحب شهرزور وكان صديقًا لبدر فنهاه عن ذلك فلم ينته‏.‏وبعث ابن المضاضي يتهدده فبعث إليه أبوه بالوعيد فجمع وقصد ابن المضاضي وحاصره في قلعة شهرزور حتى فتحها‏.‏وقتل ابن المضاضي واستباح بيته‏.‏فاتسع الخرق بينه وبين أبيه واستمال أصحاب أبيه بدر وكان بدر نسيكاً فاجتمعوا إلى هلال وزحف لحرب أبيه والتقيا على الدينور‏.‏وانهزم بدر وحمل أسيراً إلى ابنه هلال فرده في قلعته للعبادة وأعطاه كفايته بعد أن ملك الحصن الذي تملكه بما فيه‏.‏لما إستقر بدر بالقلعة حصنها وأرسل إلى أبي الفتح بن عنان وإلى أبي عيسى سادي بن محمد بأستراباذ وأغراهما بأعمال هلال فسار أبو الفتح إلى قرميسين وملكها‏.‏وأساء الديلم فاتبعه هلال إليها ووضع السيف في الديلم‏.‏وأمكنه ابن رافع من أبي عيسى فعفا عنه وأخذه معه وأرسل بدر من قلعته يستنجد بهاء الدولة فبعث إليه الوزير فخر الملك في العساكر وانتهى إلى سابور خواست‏.‏واستشار هلال أبا عيسى بن سادي فأشار عليه بطاعة بهاء الدولة وإلا فالمطاولة وعدم العجلة باللقاء فاتهمه وسار العسكر ليلاً فكبسه‏.‏وركب فخر الملك في العساكر وثبت فبعث إليه هلال بأني إنما جئت للطاعة‏.‏ولما عاين بدر رسوله طرده وأخبر الوزير أنها خديعة فسر بذلك وانتفت عنه الظنة ببدر‏.‏وأمر العساكر بالزحف فلم يكن بأسرع من مجيء هلال أسيراً فطلب منه تسليم القلعة لبدر فأجاب على أن لا يمكن أبوه منه واستأمنت أمه ومن معها بالقلعة فأمنهم الوزير وملك القلعة وأخذ ما فيها من الأموال يقال أربعون ألف بمرة دنانير وأربعمائة ألف بدرة دراهم سوى الجواهر والثياب والسلاح وسلم الوزير فخر الملك القلعة لبدر وعاد إلى بغداد‏.‏

  استيلاء ظاهر بن هلال على شهرزور

كان بدر بن حسنويه قد نزل عن شهرزور لعميد الجيوش ببغداد وأنزل بها نوبة فلما كانت سنة أربع وأربعمائة وكان هلال بن بدر معتقلاً سار ابنه ظاهر إلى شهرزور وقاتل عساكر فخر الملك منتصف السنة وملكها من أيديهم وأرسل إليه الوزير يعاتبه ويأمره بإطلاق من أسر من أصحابه ففعل وبقيت شهرزور بيده‏.‏مقتل بدر بن حسنويه وابنه هلال ثم سار بدر بن حسنويه أمير الجيل إلى الحسن بن مسعود الكردي ليملك عليه بلاده وحاصره بحصن كوسجة وأطال حصاره فغدر أصحاب بدر وأجمعوا قتله‏.‏وتولي ذلك الجورقان من طوائف الأكراد فقتلوه وأجفلوا فدخلوا في طاعة شمس الدولة بن فخم الدولة صاحب همذان‏.‏وتولي الحسين بن مسعود تكفين بدر ومواراته في مشهد علي‏.‏ولما بلغ ظاهر بن هلال مقتل جده وكان هارباً منه بنواحي شهرزور وجاء لطلب ملكه فقاتله شمس الدولة فهزمه وأسره وحبسه بهمذان واستولي على بلاده‏.‏وصار الكرية والشادنجان من الأكراد في طاعة أبي الشوك‏.‏وكان أبوه هلال بن بدر محبوساً عند سلطان الدولة ببغداد فأطلقه وجهز معه العساكر ليستعيد بلاده من شمس الدولة فسار ولقيه شمس الدولة فهزمه وأسره وقتله ورجعت العساكر منهزمة إلى بغداد‏.‏وكان في ملك بدر سابور خواست والدينور وبروجرد ونهاوند وأستراباذ وقطعة من أعمال الأهواز وما بين ذلك من القلاع والولايات‏.‏وكان عادلاً كثير المعروف عظيم الهمة‏.‏ولما هلك هو وابنه هلال بقي حافده ظاهر محبوساً عند شمس الدولة بهمذان‏.‏

  مقتل ظاهر بن هلال واستيلاء أبي الشوك على بلادهم ورياستهم

كان أبو الفتح محمد بن عنان أمير الشادنجان من الأكراد وكانت بيده حلوان وأقام عليها أميراً وعلى قومه عشرين سنة‏.‏وكان يزاحم بدر بن حسنويه وبنيه في الولايات والأعمال بالجيل‏.‏وهلك سنة إحدى وأربعمائة وقام مكانه ابنه أبو الشوك وطلبته العساكر من بغداد فقاتلهم وهزموه فامتنع بحلوان إلى أن أصلح حاله مع الوزير فخر الملك لما قدم العراق بعد عميد الجيوش من قبل بهاء الدولة‏.‏ثم إن شمس الدولة بن فخر الدولة ابن بويه أطلق ظاهر بن هلال بن بدر من محبسه بعد أن استخلفه على الطاعة وولاه على قومه وعلى بلاده بالجبل وأبو الشوك صاحب حلوان والسهل وبينهما المنافسة القديمة فجمع ظاهر وحارب أبا الشوك فهزمه‏.‏وقتل سعدي بن محمد أخاه ثم جمع ثانية فانهزم أبو الشوك أيضاً وامتنع بحلوان وملك ظاهر عامة البسيط وأقام بالنهروان‏.‏ثم تصالحا وتزوج ظاهر أخت أبي الشوك فلما أمنه ظاهر وثب عليه أبو الشوك فقتله بثأر أخيه سعدي ودفنه أصحابه بمقابر بغداد وملك سائر الأعمال ونزل الدينور‏.‏ولما استولي علاء الدولة بن كاكويه على همذان سنة أربع عشرة عندما هزم عساكر شمس الدولة بن بويه واستبد عليه سار إلى الدينور فملكها من يد أبي الشوك ثم إلى سابور خواست وسائر تلك الأعمال‏.‏وسار في طلب أبي الشوك فأرسل إليه مشرف الدولة سلطان بغداد وشفع فيه فعاد عنه علاء الدولة‏.‏ولما زحف الغز إلى بلاد للري سنة عشرين وأربعمائة وملكوا همذان وعاثوا في نواحيها إلى أستراباذ وقرى الدينور خرج إليهم أبو الفتح بن أبي الشوك وقاتلهم فهزمهم وأسر منهم جماعة‏.‏ثم عقد الصلح معهم على إطلاق أسراهم ورجعوا عنه‏.‏ثم استولي أبو الشوك سنة ثلاثين على قرميسين من أعمال الجبل وقبض على صاحبها من الأكراد الترهية وسار أخوه إلى قلعة أرمينية فاعتصم بها من أبي الشوك وكانت لهم مدينة خولنجان فبعث إليها عسكرًا فلم يظفروا وعاثوا عنها‏.‏ثم جهز آخر وبعثهم ليومهم يسابقون جندهم ومروا بأرمينية فنهبوا ربضها وقاتلوا من ظفروا به وانتهوا إلى خولنجان فكبسوها على حين غفلة‏.‏واستأمن إليهم أهلها وتحصن الحامية بقلعة وسط البلد فحاصروها وملكوها عليهم في ذي القعدة من السنة‏.‏

  الفتنة بين أبي الفتح بن أبي الشوك وعمه مهلهل

كان أبو الفتح بن أبي الشوك نائباً عن أبيه بالدينور واستفحل بها وملك قلاعاً عدة وحمى أعماله من الغز فأعجب بنفسه ورأى التفوق على أبيه‏.‏وسار في شعبان سنة إحدى وثلاثين إلى قلعة بكورا من قلاع الأكراد وصاحبها غائب وبها زوجته فراسلت مهلهلاً لتسلم له القلعة نكاية لأبي الفتح وكانت حلة مهلهل في نواحي الصامغان فانتظر حتى عاد أبو الفتح عن القلعة‏.‏وجمر العساكر لحصارها‏.‏وسار إليها أبو الفتح فوري له عن قصده ورجع فأتبعه أبو الفتح فقاتله عمه مهلهل ثم ظفر به وأسره وحبسه‏.‏وجمع أبو الشوك وقصد شهرزور وحاصرها‏.‏ثم قصد بلاد مهلهل وطال الأمر ولج مهلهل في شأنه وأغرى علاء الدولة بن كاكويه ببلد أبي الفتح فملك عليه الدينور وقرميسين سنة إثنتين وثلاثين‏.‏ثم سار أبو الشوك إلى دقوقا وقدم إليها ابنه سعدي فحاصرها وجاء على أثره فنقبوا سورها وملكها عنوة ونهب بعض البلد وأخذت أسلحة الأكراد وثيابهم وأقام أبو الشوك بها ليلة‏.‏ثم بلغه أن أخاه سرخاب بن محمد قد أغار على مواضع من ولايته فخاف على البندنجين‏.‏ورجع وبعث إلى جلال الدولة سلطان بغداد يستنجده فبعث إلى العساكر وأقاموا عنده وسار مهلهل إلى علاء الدولة بن كاكويه يستصرخه على أخيه أبي الشوك على الإعتصام بقلعة السيروان‏.‏ثم بعث إلى علاء الدولة يعرض له بالرجوع إلى جلال الدولة صاحب بغداد فصالحه على أن يكون الدينور لعلاء الدولة ورجع عنه‏.‏ثم سار أبو الشوك إلى شهرزور فحاصرها وعاث في سوادها وحصر قلعة بيزاز شاه فدافعه أبو القاسم بن عياض عنها ووعده بخلاص ابنه أبي الفتح من أخيه مهلهل فسار من شهرزور إلى نواحي سند من أعمال أبي الشوك‏.‏ولما بعث إليه ابن عياض بالصلح مع أخيه أبي الشوك إمتنع فسار أبو الشوك من حلوان إلى الصامغان‏.‏ونهب ولاية مهلهل كلها‏.‏وأجفل مهلهل بين يديه‏.‏ثم تردد الناس بينهما في الصلح وعاد عنه أبو الشوك‏.‏